رفض ألمانيا للطاقة النووية وارتفاع الانبعاثات المميتة

رفض ألمانيا للطاقة النووية وارتفاع الانبعاثات المميتة

عشية رأس السنة ،بينما كان باقي العالم يستعد للدخول في عقد جديد، كان موظفوا شركة الطاقة الألمانية (EnBW) يستعدون لسحب التيار الكهربائي في إحدى محطات الطاقة النووية المتبقية في البلاد , وكانت قد انتهت صلاحية ترخيص تشغيل المفاعلين في منشأة فيليبسبرج النووية (Philippsburg) بعد 35 عاما من توفير طاقة خالية من الكربون للألمان الذين يعيشون على طول الحدود الجنوبية الغربية للبلاد. وتعد محطة فيليبسبرج هي المنشأة النووية الحادية عشر التي يتم إيقاف تشغيلها في ألمانيا خلال العقد الماضي. بينما سوف تطفَأ المحطات النووية الست المتبقية في البلاد بحلول عام 2022.

لطالما كان لدى الألمان علاقة معقدة مع الطاقة النووية ،لكن السحابة المشعة التي اجتاحت ألمانيا في أعقاب كارثة تشيرنوبيل في منتصف الثمانينيات أعطت حياة جديدة للسياسات المعادية للطاقة النووية التي يدعمها (حزب الخُضُر)* في البلاد .

في أعقاب انهيار مصنع فوكوشيما دايتشي في اليابان ،انطلق اللوبي الألماني المعادي للطاقة النووية،وخرج عشرات الآلاف من الاشخاص الى الشوارع للاحتجاج . وأصدرت الحكومة الألمانية بسرعة تشريعات لإيقاف تشغيل جميع المفاعلات النووية في البلاد، ظاهريًا للحفاظ على سلامة مواطنيها من خلال منع الكارثة على غرار كارثة فوكوشيما. لكن الدراسة التي نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية غير الربحية (كانون الأول 2019) تشير إلى أن رفض ألمانيا للطاقة النووية كان خطأ باهظًا وربما قاتلًا.

للكشف عن التكاليف الخفية لتعطيل المحطات النووية في ألمانيا ،استخدم الاقتصاديون التعلم الآلي لتحليل رزم من البيانات التي تم جمعها بين عامي 2011 و 2017 . حيث وجد الباحثون، ومقرهم في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا وجامعة كارنيجي ميلون، أن الطاقة النووية تم استبدالها في الغالب بالطاقة من محطات الفحم، مما أدى إلى إطلاق 36 مليون طن إضافي من ثاني اكسيد الكربون سنويًا أو حوالي 5 بالمائة زيادة في الانبعاثات. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الباحثين قدروا أن حرق المزيد من الفحم أدى إلى زيادات محلية في تلوث الجسيمات وثاني أكسيد الكبريت ومن المحتمل أن يتسبب في وفاة 1100 شخص إضافي سنويًا بأمراض الجهاز التنفسي أو أمراض القلب والأوعية الدموية .

إجمالًا،حسب الباحثون أن زيادة انبعاثات الكربون والوفيات الناجمة عن تلوث الهواء المحلي وصلت تكلفة اجتماعية تبلغ حوالي 12 مليار دولار سنويًا. ووجدت الدراسة أن هذا يقزم تكلفة إبقاء محطات الطاقة النووية بمليارات الدولارات، حتى عند مراعاة مخاطر الانهيار وتكلفة تخزين النفايات النووية. يقول أكشايا جها، الخبير الاقتصادي في كارنيجي ميلون ومؤلف الدراسة:” يبالغ الناس في تقدير المخاطر والأضرار الناجمة عن حادث نووي. ومن الواضح أيضًا أن الناس لا يدركون أن تلوث الهواء المحلي شديد جدًا.انه قاتل صامت “.

وبعد هذه الدراسات التي أوضحت الخطأ الفادح في القرار الألماني, وجب على أي دولة كانت تفكر بالتخلي أو حتى التقليل من استخدام الطاقة النووية التفكير مليًا قبل ذلك. و نخص بالحديث هنا الولايات المتحدة والتي يقترب أسطولها من المفاعلات النووية من نهاية عمره التنظيمي – تم بناء جميع المفاعلات تقريبًا قبل عام 1990- والمفاعلان الجديدان الوحيدان قيد الإنشاء تجاوزا الميزانية المتوقعة. اذ تؤدي تجاوزات التكلفة في نهاية المطاف إلى رفع سعر الكهرباء في العديد من أسواق الطاقة في الولايات المتحدة، حيث تكافح الطاقة النووية للمنافسة مع وفرة الغاز الطبيعي الرخيص ومصادر الطاقة المتجددة المدعومة بشدة.

يقول جوناثان ليسر، رئيس شركة كونتيننتال إيكونوميكس لاستشارات الطاقة ومؤلف ورقة بحثية جديدة عن الطاقة النووية عنوانها ” هل هناك مستقبل للطاقة النووية في أميركا ” لمعهد مانهاتن :”من الواضح أن دعم المحطات النووية ليس مؤشر على استثمار آمن (صناعة أمنة مستقرة)”. بدلًا من ذلك، يقترح خفض الدعم على إنتاج الطاقة المتجددة لجعل الطاقة النووية أكثر قدرة على المنافسة في أسواق الطاقة . اقترح آخرون فرض ضرائب على الكربون على توليد الوقود الأحفوري.

ولكن حتى إذا تم إغلاق المفاعلات النووية الأمريكية الضخمة ، فمن المتوقع أن يبدأ تشغيل جيل جديد من المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة قبل نهاية العقد. تَعِد هذه المفاعلات بأن تكون أرخص وأكثر أمانًا من المفاعلات الحالية ولها العديد من التطبيقات خارج نطاق توليد الكهرباء والتي قد تجعلها أكثر جاذبية من الناحية السياسية.

*حزب الخُضُر: كان تركيز الحزب على الاحتجاج البيئي على الطاقة النووية، وكانت الحركة موجهة بشكل خاص إلى العمال والشركات والسياسيين الألمان ، الذين أيدوا جميعًا بحماس استخداما ، خاصة بعد الارتفاع الحاد في أسعار النفط في عام 1973.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *